ذكريات مؤتمر "فكر 7" ومقهى الشباب

سارة المكيمي - صحيفة أوان

15 January 2009

ثلاثة فناجين قهوة في مقهى الشباب العربي

على هامش مؤتمر «فكر 7» الذي أقامته مؤسسة الفكر العربي في شهر نوفمبر في القاهرة، نُفذ مفهوم جديد للتحاور المثمر والنقاش البناء بين عقولالجالية العربية الواحدة مختلفة الأقطار. سمّي الحدث «مقهى الشباب» لأن الشباب المدعوين للتحاور في موضوع «الهوية العربية» جلسوامجموعات على طاولات مستديرة يناقشون محورا واحدا من المحاور المطروحة لهم، ثم ينتهي الوقت، فتتغير الوجوه على الطاولات، وتتبدل المجاميععشوائيا، لينهل كل المشاركين من الاختلاط بعضهم ببعض، و تقاذف اكبر قدر ممكن من المعلومات والآراء التي تثري بدورها الحوارات والنتائج.

في «مقهى الشباب» شربت ثلاثة فناجين قهوة حلوة، جاءت الى طاولتي مخلوطة بهيل السعودية، وزعفران الإمارات وسكر عمان!

سلوى اليافعي الشابة العمانية التي لم تكمل الاثنتين والثلاثين سنة حتى الآن، أخبرتني أنها تعمل مديرة مدرسة تعليم أساسي (ما يعادل المرحلةالابتدائية عندنا)، وتضم مدرستها ما يقارب 625 طالبا وطالبة. فغرت فاهي وأنا أستمع لرحلة التعليم التي أهّلتها، وهي في هذه السن المبكّرة لصعودسلّم التربية والتعليم العماني لتتبوأ منصبا لا تشمّه عندنا أكفأ المدرسات الشابات وأكثرهن تحصيلا علميا. استثمرت عمان في شخص سلوى سنواتمن الدراسة التربوية في جامعات مرموقة في مصر وإنجلترا لتحصل بنت البلد على شهادة الماجستير في الإدارة التعليمية من جامعة الدول العربيةفي مصر، فتعود إلى بلادها وتتسلم امانة الأجيال، بعد فحص واختبارات دقيقة لقدراتها وإمكانياتها!

أما الفنجان الثاني فقد شربته ذهولا عندما جلست إلى طاولة النقاش إلى جانب الشاب الإماراتي من الشارقة عيسى الزرعوني الذي أخبرني بقصةحب بلد لابنه الطموح. قال عيسى إنه تخرج في الجامعة متخصصا في الصحافة الإذاعية والتلفزيونية بعد ان منحته إمارة دبي بعثة متكاملة الى أيجامعة في أي بلد يقع عليه اختياره، حصل عيسى على درجة البكالوريوس لينشئ شركته الخاصة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي. يقول الزرعوني: لمأوفق في المرحلة الأولى من العمل الإعلامي، فأغلقت الشركة، وافتتحت مؤسسة أخرى تحمل طابعا مختلفا من العمل ذاته، لم يحالفني الحظ ايضافي هذه المرة، لاحتدام المنافسة بين شركتي المتواضعة والشركات الإعلامية العالمية في دبي، فأغلقت المؤسسة مرّة أخرى، وعكفت على عمل دراساتمستمرة للسوق الإعلامي المحلي، وكيفية النجاح فيه.

يقول: هنا جاءني الاتصال من مكتب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم طالبا مقابلتي، فتوجهت الى هناك ليبلغني المسؤول أن المكتب كان يتابعباهتمام مشواري الإعلامي، وانهم فخورون بمحاولاتي المهنية. أخبرني المسؤول أن المكتب سيتكفل مصاريف شركتي الإعلامية الجديدة كافة، لأعيدالمحاولة مرّة ثالثة بدعم من حكومة دبي. وأضاف المسؤول، ولكن بشرطين: الأول أن تحرص على توظيف كوادر وطاقات شابة إماراتية في شركتكوتدريبهم، والثاني أن تظهر في مقابلات شخصية في التلفزيون والإذاعة تحكي فيها عن قصة مشوارك المهني، وبوادر نجاحاتك، لتكون بذلك مثالاللشباب يحتذونه، ويُلهمون منه.

انتهى الزرعوني من سرد القصة، فأحسست بقشعريرة في جسدي، ودمعة في عيني!

فنجاني الثالث كان مشوقا رقيقا مع الأديبة السعودية ذات الأربعة والعشرين عاماً نسرين غندورة، التي جاءت مشاركتها في مقهى الشباب، وفقا لرغبتها الخاصة في الحضور. لم تكن نسرين من المدعوين إلى المؤتمر، ولم تُرشح للمشاركة مثلما كان حال اغلب الشباب، ولكنها آثرت السفر لحضورالمؤتمر على رحلة تسوّق او سياحة احترفتها فئة كبيرة من شابات هذا الزمن. جاءت نسرين صغيرة جميلة وشفافة من السعودية مع والدها الذي ساندها في اعطاء مبادرتها الثقافية المجال في التعرف على الشباب العربي المشارك، واكتساب شيء من خبراتهم وثقافاتهم المتنوعة. ألّفت نسرين رواية بعنوان «النهر الثالث» أهدتني نسخة منها قبل يوم واحد من رحيلي.

شربت فناجيني الثلاثة مع شباب في مثل عمري، جاؤوا من قطري نفسه يحملون ذات الدم وذات الحلم وذات الطموح. نحن تجمعنا في ظروف أهّلتنا لنرتشف شيئا من خبرات بعضنا، فعرفت كم هم في نهوض .. وكم نحن في سُبات!

Previous
Previous

بغداد هي بطلة رواية النهر الثالث

Next
Next

أعبر عن فكر جيلي