بغداد هي بطلة رواية النهر الثالث
يوسف غريب - مجلة رؤى
20 October 2009
رفضت روايات الجنس ولجأت للأساطير
نسرين غندورة: أسبح في نهر من الدموع
عشقت الأدب منذ أول "كان ياما كان" سمعتها في طفولتها الباكرة، وكانت مولعة بسماع القصص واختلاقها مع بداية تفتح وعيها، تذكر بحنين يومهاالأول في المدرسة منذ عشرين عاماً، وكيف كانت لهفتها لتعلم القرأة والكتابة...تخصصت في نظم المعلومات واحتفظت بالأدب كهواية تمارسها بلاقيود... عندما تكتب تشعر أن القلم يقودها إلى اتجاه لم تسر فيه من ذي قبل... نشرت روايتها الأولى.
"النهر الثالث" قبل ثلاثة أعوام أنها الروائية الشابة نسرين غندورة إلي الحوار:
تخصصت دراسياً في نظم المعلومات إلا أن وجدانك كان مع الأدب، فكيف استقطبك دون الفنون الآخرى؟
وجدت في الأدب صدراً رحباً قادراً على احتضان الإنسانية واحتوائها. فالكلمة تتمع بلياقة تعبيرية مدهشة، كونها قابلة للتحول إلى لون أو رائحة أونغمة. وهذا ما يميز اللغة فهي أدق وأجمل وسيلة للتعبير.
“النهر الثالث"
لماذا اخترت الكتابة الأدبية والرواية تحديداً؟
الرواية تحرر الكاتب من القيود التي تفرضها الفنون الأدبية الأخرى، كالوزن في الشعر مثلاً... وجاءت محطتي الأولى في عالم الرواية من خلال روايةبعنوان " النهر الثالث” صدرت عام ٢٠٠٦ م. إلا أنه كانت هناك محاولات ونصوص كثيرة قبل نهاية هذه التجربة، لكن لم أصدرها في كتاب مستقلكما "النهر الثالث".
ماذا تقصدين بالنهر الثالث؟
تناولت رواية "النهر الثالث" أحداث حرب العراق ٢٠٠٣ ، لذلك استوحيت عنوانها من أحد أسماء العراق (بلاد الرافدين) وهما دجلة والفرات، أما"النهر الثالث "فهو نهر خيالي تكون من الدموع التي ذرفها الشعب العراقي أثناء الكوارث الإنسانية التي عاناها لسنوات طويلة، فقد تصورت أن هذهالدموع تكفي لتكوين نهر ثالث في العراق.
مَن بطل "النهر الثالث"، وكيف تناولتها؟
البطل هو مدينة بغداد، فقد تخيلتها كلوحة فنية مدهشة مفعمة بمواقف مؤثرة ومشاعر إنسانية عميقة جديرة بالتأمل، واستخدمت الشخصيات فيالرواية -بعناية فائقة- تماماً كما تستخدم كشافات الإضاءة في المعارض الفنية، فهي توزع على زوايا معينة بطريقة مدروسة، لإبراز كل تفاصيلاللوحة ألوانها، خطوطها، وتفاعل كل عناصرها مع بعضها بعضاً، ومن خلال هذا الطرح أخذت القارئ إلى بغداد التي لم يزرها من ذي قبل.
تسللت إلى بغداد برفقة فريق صحفي... لم اخترت الصحافة بالذات؟
وجدت الفكرة واقعية وقربية من القرّاء، كما أن الجهد والتضحية اللذين يبذلهما المراسلون الحربيون يستحقان التقدير، وقد استشهد العديد منهم أثناءالحرب.
أهديكم نهري وأتمني أن ترويكم كلماتي...لاحظت هذا الإهداء بخط يدك ماذا وراء هذا الإهداء؟
نهري كناية عن "النهر الثالث" واستخدمت كلمة ترويكم أي تروي ظمأكم إلى في الأدب، وترويكم أيضاً أي تحكي شيئاً عنكم.
ما الرسالة التي أردت أن تبعثي بها للقارئ من خلال (النهر الثالث)؟
أن النهر رغم أنه تكون من الدموع التي سبّبتها المعاناة، لكنه أيضاً مصدر للماء أي أنه مصدر للحياة والنماء والازدهار، فقد عبرت من خلال النهرالثالث عن الأمل الذي يولد من رحم الآلام واخترت مدينة بغداد لتكون بطلة روايتي لأنها خير مثال على ذلك، فقد شهدت الكثير من الكوارث عبرتاريخها وفي كل مرة كانت تستعيد مكانتها ومجدها.
هل ترين أن الرواية نجحت وفق المعايير النقدية؟
أثناء كتابتي للنهر الثالث كنت أظن أن الكاتب هو الذي يخبئ المفاجآت للقارئ ولكن بعد صدور النهر الثالث، فوجئت بتنوع آراء القراء والنقاد ولم أجدقاسمًا مشتركاً بين رأيين وهذا أمر طبيعي، لأن الكتاب وقود فكري يدفع الناس للتفكير، لكنه لا يملي عليهم فكرا معينا، كما أن تذوق القارئ للكتابيخضع لعدة عوامل مثل خلفية القارئ الثقافية أو ميوله الأدبية وقد تعلمت الكثير من قرائى وأشكرهم لأنهم منحوني وقتهم وشاركوني آراءهم.
حازت الرواية أو -حزت أنت كروائية- نصيبا معتبرا من التغطية الإعلامية. هل السبب أنك روائية سعودية شابة أم لتلمس روائية موهوبة فرضت نفسها؟
عندما كتبت "النهر الثالث" حرصت على تقديم رواية متميزة من حيث الشكل والمضمون. كما أن الإعلاميين الذين تناولوها يهتمون بالإصداراتالأدبية وتغطيتها بصفة عامة.
أسلوب مبتكر
لماذا كانت بدايتك في العراق وفي هذه الأجواء المأسوية؟
منذ أكثر من عشرين عاما لا نسمع عن العراق سوى أخبار الحرب، وقد كان لدي الكثير من الفضول لاكتشاف معالم بغداد المدينة التي ترمز إلىالعصر الذهبي في الحضارة الإسلامية، و"النهر الثالث" رواية واقعية، لكنها ليست مأساوية، فقد تناولت الحرب على العراق من منظور إنساني،وحرصت على طرح القضية بأسلوب مبتكر وشيق فأخذت القارئ في رحلة إلى بغداد ليكتشف معالمها التي تمردت على الدمار.. الشوارع والأسواقوالمقاهي والميادين، ويعيد قراءة أساطير "عشتار" و"كلكامش" بنظرة معاصرة، فيدرك أن حقيقة بغداد أغرب من خيالها بكثير.
*كان من المتوقع أن تكون بدايتك وبداية أي روائية شابة عن عالم الفتاة السعودية أو قضايا المرأة عموما، لم خالفت هذا التوجه؟
لم أخالف هذا التوجه مطلقا، فقد عبرت من خلال النهر الثالث عن الدور الفعال الذي تلعبه المرأة في الحفاظ على استقرار الأسرة والتحديات التيتواجهها بصورة يومية في أثناء الحرب حتي أن إرسال الأبناء إلى المدرسة يكون قراراً صعباً تواجهه بحيرة متزايدة كل صباح، وقد عبرت عن آراءالشباب والشابات العرب في القضية ولم أحدد جنسية معينة لأنني تناولت الجانب الإنساني وقد أجمع العالم على استنكار الكوارث الإنسانية التيعاناها الشعب العراقي.
الرواية تناولت نماذج لشباب عربي في الوطن والمهجر، لماذا سلطت الضوء على هذه الفئة؟
أردت أن أعّبر عن جيلي، كما أن الإحصائيات الديموغرافية تؤكد أن غالبية السكان في الوطن العربي هم فئة الشباب، وهذا يمنحهم دوراً مهماً وفعلاًفي المجتمع، فهم طاقة هائلة تحتاج للتوجيه الصحيح.
أقلام واعدة
أين المرأة في كتاباتك مستقبلا؟ وهل تعترفين بما يسمي بـ (الأدب النسوي)؟
المرأة موجودة دوما في كتاباتي وأثناء الكتابة أحرص على توظيف العناصر الأدبية بأسلوب يخدم مغزي الرواية، أما التصنيفات الأدبية كـ ( الأدب النسوي) وغيرها فلا أتطرق إليها وأتركها للباحثين والنقاد.. كروائية أنا أحرص على إبداع أدب صادق ومؤثر.
ماذا بعد (النهر الثالث)؟ وما الخط الذي ترينفيه نفسك مستقبلا؟
أنا الآن أكتب روايتي الثانية وأحرص على الحفاظ على هويتي الفنية وتطويرها.
من تجارب عديدة فإن الجرأة التي غالبا ما تكون مفتعلة والدخول لعوالم معينة مثل الجنس، هي أقصر الطرق للشهرةالسريعة.. كيف استطعت تحديد طريقك وفق هذه الرؤية؟
ما يدفعني للكتابة هو حبى للكتابة، فهي متعتي الحقيقية وعندما أختار موضوعا لرواية أبحث عن موضوع يثير فكري ويدفعني للتعمق فيه تماما كمايبحث المزارع عن أرض خصبة لكي يضمن جودة المحصول. تعلمت الكثير من قرّائي...وكنت أحسب أن الكاتب يخبئ المفاجآت.
“النهر الثالث" تعبيرٌ عن دور المرأة في مواجهة التحديات
من هو الروائي المفضل لنسرين غندورة، ولماذا؟
لا يوجد لدي روائي مفضل، فأنا أستمتع بالقراءة بصفة عامة وأتعلم من كل كتاب أقرأ في فكره.
فيما تتركز قراءاتك؟
في الوقت الحاضر أقرأ كتبا تتعلق بموضوع روايتي الجديدة.
يخضع الكتاب لمنافسة شرسة من قبل وسائل الإعلام الأخرى، كروائية كيف تواجهين هذا التحدى؟
احرص على استخدام لغة سلسة وعصرية، وأتناول موضوعات واقعية بأساليب مبتكرة ومشوقة، تثري القارئ ثقافياً وتثيره فكرياً ليتابع القرأة بشغف.
كيف تنظرين إلى الرواية السعودية حاضرا ومستقبلا؟
لقد منح الله المملكة الكثير من الموارد الطبيعية النفيسة وأهمها الموارد البشرية ويشرفني أن أرى الكفاءات السعودية تثبت جدارتها في كل المجالات بما في ذلك الأدب، فقد برز العديد من الأقلام السعودية في الرواية وبرأيي هناك أقلام واعدة من الجيل الجديد.
من هن منافسات نسرين غندورة من الروائيات الشابات؟
أعتبر كل الروائيين والروائيات منافسين لي.
شاهدنا الكثير من الأعمال الدرامية المستوحاة من روايات مثل "ثلاثية نجيب محفوظ" هل تظنين أن "النهر الثالث" قابلةللتحول إلى مسلسل أو فيلم؟
ربما نشاهد "النهر الثالث" كعمل درامي لكن ذلك يتوقف على رؤية المخرج.
أجواء واقعية
“النهر الثالث" إلتزمت بلغه عربية فصحى سليمة لكنها اقتربت من العامية، كيف حققت هذا التوازن؟
حرصت على استخدام اللغة العربية الفصحى، وفي بعض الحوارات عملت على تقريبها من اللهجة العامية في عبارات مثل "طويل العمر" فهي عربيةصحيحة تتحول إلى عبارة عمية حسب طريقة لفظها، والهدف من ذلك هو خلق أجواء قربية للواقع.
ألا تعتقدين أن مزج الأساطير بالواقع مغامرة أدبية خطيرة؟
لقد أعدت قراءة الأساطيير البابلية برؤية معاصرة، وقمت بتوظيف ذلك دراماً لخدمة مضمون الرواية.
لمن تدينين بالفضل في ظهورك كروائية؟ ولمن تهدين روايتك؟
أدين بالفضل لأسرتي وأشكرهم على دعمهم وتشجيعهم لمسيرتي الأدبية، وأهدي روايتي لكل متعطش للقراءة.
ما أمنياتك لمسيرتك الروائية؟
منذ أول حرف كتبته في روايتي كنت حريصة على تكوين هوية فنية خاصة بي وأتمنى أن يستمتع القراء بكتاباتي ويستفيدوا منها.
وما أمنياتك عموما؟
أتمني أن يسود العالم السلام والتفاهم وأن يتعايش الناس مع بعضهم باحترام متبادل ويسخروا طاقتهم لإعمار الأرض وتطويرها...عندما انظر إلىتاريخ الحضارات أراه كسباق تتابع، فكل حضارة تنقل عن الأخرى وتضيف لها، وأتمنى أن يستمر هذا السباق ضمن مضمار سلمي لتحظىالإنسانية بعالم أفضل.