النهر الثالث استثناءً من السياق العام للرواية

خالد الرفاعي

16 July 2015

متون وهوامش

- 1 -

تعدّ رواية «النهر الثالث» للسعودية نسرين غندورة (الصادرة في عام 2006م عن الدار العربية للعلوم - ناشرون) استثناءً من السياق (الموضوعي)العام للرواية النسائية السعودية، خاصة في مرحلتها الأخيرة (ما بعد الحادي عشر من سبتمبر)؛ لتجافيها عن المجال الأكبر لاشتغال الهوية فيالرواية النسائية، واتجاهها إلى معالجة ما تعرضت له هوية العراق والإنسان العراقي بسبب الاستبداد السياسي في ظلّ النظام البعثي البائد، وجملةالحروب التي خاضها العراق على امتداد ثلاثين عاماً، حتى انتهت به إلى الاحتلال الأمريكي في شهر مارس من عام 2003م.

وقد وظفت الرواية عاملين مهمّين في معالجة الهُوية القومية، هما: الشعور القومي الشعبي الذي يردُّ إلى موروث متعدّد الطبقات (كما يعبر فيصلدرّاج)، والشعور بخطورة المهدّدات المادية والمعنوية التي تحاصر الإنسان العراقي، وتستهدف هويته الوطنية والقومية.

ورغم حضور العامل الأول في جملة المشاهد الحوارية التي دارت بين عدد من الشخصيات المثقفة في الرواية (كأحمد، وعماد، وعلاوي، وقيس) فإنّالسيطرة في الرواية كانت من نصيب العامل الثاني، حيث التعبيرُ عن الألم الذي أفضى إليه العراق على مستويي: الذوات، والأشياء!

- 2 -

لقد أبرزت الرواية كيف استطاع الاستبداد السياسي (بما أفضى إليه من كوارث متتالية) أنْ يعرّضَ الإنسانَ العراقي للاختلال، ويجعله رهينَ شعورٍضاغطٍ بالمسافة الطويلة التي تفصل بينه وبين العراق المجيد (عراق التاريخ والحكايا)، وهذا ما كان يجده (مؤيّد) في الجامعة حين كان الطلابيسألونه بإلحاح عن العراق «الذي سمعوا عنه وأحبوه وانتموا إليه بكل جوارحهم، لكنهم لم يعيشوه ولو للحظة» واحدة في حياتهم!

مضت الرواية تصوّر يوميات الإنسان مع الحرب من زوايا متعدّدة: زاوية العراقي المقيم في بغداد (كعلاوي، وزوجته ثريا، وقيس، وآخرين)، والعراقيالمقيم في المنفى (كشقيق علاوي)، والمثقف العربي الراصد (كأحمد وعماد)، وكانت الأزمنة كلّها مفتوحة على قراءات هؤلاء وتأويلهم!

وصورت الرواية في المجمل سؤالَ العراقي عن (الوطنية)، وعن (العروبة) المتغلغلة في عروقه.. عن (عزّة العراقي وصلفه)، عن (حرية الكلمة)، و(ازدهارالعلم)، و(انبعاث الأدب).. عن بغداد الذي كان ملاذَ الغرباء من طلبة العلم، وراغبي التمدّن والحضارة.. عن الرمزية التي يحملها نهرا دجلة والفرات!

كما سلطت الرواية الضوءَ على زوايا متعدِّدة من انكسار الذات، بسبب غياب الحرية والكرامة؛ حيث الخوف الذي يحكم قبضته على الإنسان حتى فيخلواته، وحيث الاعتقالات التعسفية والتعذيب، وحيث الإجبار على الغربة والمنفى (كما في حالة شقيق علاوي)!

- 3 -

تخلّت الرواية عن عنصر النهاية، وخُتِمت بكلمة «استمرّت» التي تقف دلالياً مقابل كلمة «انتهت»؛ لتشفّ عن معنى بعيد، هو استمرار انهيار الذاتالعراقية.. واتساع الألم في فضاءات بغداد، إلى حدّ انفتاحِها على نهرٍ ثالث بحجم دجلة والفرات، هو نهر الدموع!

لقد قرأتُ هذه الرواية بعد صدورها مباشرة في عام 2006م وكنتُ أتساءل: هل ستستمرّ حال العراق على ما هي عليه اليوم (كما يشير زحفالسياقات في الرواية)؟

والآن (بعد عشر سنوات تقريباً من تلك القراءة): أستطيع الإجابة بألم..

فالعراق اليوم أسوأ بمراحل من عراق عام 2003م، وأحسبه يمشي طائعاً مختاراً إلى عراق أسوأ وأسوأ وأسوأ!

هامش:

«ما العُجْبُ لو خانَ الفؤادُ ضلوعَهُ

إنّ الذي خانَ العراقَ عِرَاقي»!

(يحيى السماوي)

Previous
Previous

معرض جدة للكتاب.. غوص في أعماق الفكر العالمي بشاطئ أبحر

Next
Next

غازي القصيبي ونسرين غندورة وسعادة جابر...كتاب اجتازوا الحدود